في ذكرى استشهاد باب الحوائج(عليه السلام)

محسن عبدالنبي الفريداوي

 

 

 

ولد أبو الحسن موسى(ع) في الأبواء بين مكة والمدينة في يوم الأحد السابع من شهر صفر سنة 128هـ ، وقيل: (129هـ)، أبوه الإمام الصادق)ع) مؤسس المذهب، ومعجزة الإسلام، ومفخرة الإنسانية على مرّ العصور وعبر الأجيال، وأمه حميدة التي طلب الإمام الباقر(ع) من عُكاشة الأسدي أن يشتريها من نخّاس كان قد عيّنه له، وعين وقت مجيئه، فلما جاءه بها، سألها الباقر(ع) عن اسمها، فقالت: حميدة، فقال: حميدة في الدنيا محمودة في الآخرة. وقال الإمام الصادق(ع) في وصفها: حميدة مصفاة من الأدناس كسبيكة الذهب، ما زالت الملائكة تحرسها حتى أُدّيت إليّ، كرامة من الله لي، والحجة من بعدي.
كان الإمام الكاظم(ع) أسمر شديد السمرة، ربع القامة، كثّ اللحية، حسن الوجه، نحيف الجسم، تحكي هيبته هيبة الأنبياء، وبدت في ملامح شكله سيماء الأئمة الطاهرين من آبائه، فما رآه أحد إلا هابه وأكبره.
تولى منصب الإمامة بعد شهادة أبيه الإمام الصادق(ع) ، وكان عمره عشرين سنة، وكان ذلك في سنة (148هـ)، ودامت (35 سنة).
وقد ورد الكثير من النصوص على إمامته، منها ما رواه ابن مسكان عن سليمان بن خالد، قال: دعا أبو عبد الله أبا الحسن(ع) يوماً ونحن عنده، فقال لنا: عليكم بهذا بعدي، فهو والله صاحبكم بعدي.
كُنّي بأبي الحسن، وأبي إبراهيم، وأبي إسماعيل، وأبي علي، وله ألقاب تعكس شخصيته، وتنبئ عن سجاياه وفضله، فقد لقّب بـ: الصابر، والزاهد، والعبد الصالح، والسيد، والوفي، والأمين، والكاظم، وباب الحوائج، وبالأخيرين اشتهر، يقول شيخ الحنابلة أبو علي الخلاّل: ما همّني أمر فقصدت قبر موسى ابن جعفر إلاّ سهّل الله تعالى لي ما أحب.
عاصر الإمام الكاظم(ع) أربعة من خلفاء بني العباس: المنصور الدوانيقي، ومحمد المهدي، وموسى الهادي، وهارون الرشيد، وله مع كل واحد منهم حوادث عظيمة
يصادف يوم الـ 25 رجب من كل عام هجري ذكرى استشهاد الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليهما السلام، هو سابع أئمة أهل البيت عليهم السلام، الكبير القدر العظيم الشأن، الكاظم الغيظ والعافي عن الناس، العبد الصالح وباب الحوائج إلى الله تعالى.
أجمع الرواة على أنّه (ع) كان من أعظم الناس طاعة لله، ومن أكثرهم عبادة له، وكان من مظاهر عبادته(ع) أنّه إذا وقف مصلّياً بين يدي الخالق العظيم أرسل ما في عينيه من دموع وخفق قلبه، وكذلك إذا ناجى(ع) ربّه أو دعاه.
يقول الرواة: إنّه(ع) كان يُصلّي نوافل الليل، ويَصلها بصلاة الصبح، ثمّ يُعقّب حتّى تطلع الشمس، ويخرّ لله ساجداً، فلا يرفع رأسه من الدعاء والتمجيد لله حتّى يقرب زوال الشمس.
وكان من مظاهر الطاعة عنده(ع) أنّه دخل مسجد جدّه رسول الله(ص) في أوّل الليل، فسجد(ع) سجدة واحدة وهو يقول بنبرات ترتعش خوفاً من الله: «عَظُمَ الذَّنْبُ مِنْ عَبْدِكَ فَلْيَحْسُنِ الْعَفْوُ مِنْ عِنْدِك»، وجعل(ع) يُردّد هذا الدعاء بإنابة وإخلاص وبكاء حتّى أصبح الصباح.
وحينما أودعه الطاغية الظالم هارون الرشيد العبّاسي في ظلمات السجون، تفرّغ(ع) للعبادة، وشكر الله على ذلك قائلاً: «اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ أَسْأَلُكَ أَنْ تُفَرِّغَنِي لِعِبَادَتِكَ، اللَّهُمَّ وَقَدْ فَعَلْتَ، فَلَكَ الحَمْد».
وكان الطاغية هارون يشرف من أعلى قصره على السجن، فيبصر ثوباً مطروحاً في مكان خاصّ لم يتغيّر عن موضعه، وعجب من ذلك، وراح يقول للربيع: ما ذاك الثوب الذي أراه كلّ يوم في ذلك الموضع؟
فيُجيبه الربيع قائلاً: يا أمير المؤمنين، ما ذاك بثوب، وإنّما هو موسى بن جعفر، له في كلّ يوم سجدة بعد طلوع الشمس إلى وقت الزوال، وبهر الطاغية وقال: أما إنّ هذا من رهبان بني هاشم، قلت: فما لك قد ضيّقت عليه الحبس؟ قال: هيهات، لابدّ من ذلك.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.