هدايا للموظفين في مؤسسات الدولة

ضياء المياح

 

 

غالبا ما يحاول الحكام الجدد الذين يأتون بعد الثورات والانقلابات في الدول النامية بناء مؤسسات حكومية تضم موظفين مٌخلصين وموالين لهم بغض النظر عن كفاءتهم وخبراتهم ودون الاهتمام بنوع شهاداتهم ومستواها عالية كانت ام أولية، حقيقية ام مزورة. المهم أن يتولى أتباع هؤلاء الحكام إدارة مؤسسات الدولة الجديدة وتمشية أمورها كمسؤولين وموظفين في هذه المؤسسات وفق تعليمات الحكومة وليضمنوا مصالحهم وفوائدهم الشخصية ما تحقق لهم ذلك.
الموظفون في مؤسسات الدولة نوعان. أولهما المٌعقد رغم سماحة الوجه، والذي يؤدي واجبه المناط به دون تكلف ودون مقابل بموجب القوانين والتعليمات السائدة. وهو ينزعج من المراجع الذي يلمح له ولو تلميحا بسيطا بأنه سيعطيه هدية ولو كانت بسيطة مقابل عمله الوظيفي. اما النوع الثاني، فهو المتساهل المتعاون والمضحي بوقته وجهده. مثل هذا الموظف يٌوقف معاملات مراجعين ويٌسرعها لأخرين استنادا لحساباته، ويسعى لإفادة مواطنين مراجعين ومساعدتهم بتجاوز بعض القوانين بشرط أن يطلبوا المساعدة أو يلحوا في طلبها، ويكفي في بعض الاحيان أن يلمحوا إلى نيتهم تقدير جهد هذا الموظف المتفان في عمله بهدية سيمنحونها له إثناء الدوام أو بعده.
كلما كانت الهدية التي تقدمها لموظف الخدمة العامة كبيرة القيمة، كلما تقربت إليه وزادت بينكما المحبة وتعضدت اواصر العلاقة وفٌتح الطريق على مصراعيه لزيادة التواصل وتطوير العلاقة بينكما. نعم ستكون الهدية مقابل خدمة أو جهد قام او سيقوم به الموظف الحكومي، لكنها دفقة إنسانية ضرورية لديمومة العمل والحياة في المؤسسات الحكومية. يعتبر البعض إن الرشوة في عدد من الدول النامية هي هدية يعطيها المراجع ويتقبلها عدد ليس قليل من الموظفين.
ثم من قال إن الرشوة حرام ؟ لا نريد أن ندخل في جذرها الديني ولا مدلولها القانوني، بل لننظر إليها من جانبها الإنساني. فالرشوة أعني الهدية تبعد الخوف عن علاقات الموظف بالمراجعين وتزيل القلق وتقرب المسافات وتجعل البعيد قريبا والغريب صديقا وأخا حميما وتدعم التواصل وتسهل العمل للمراجع الذي يريد انهاء معاملته بسرعة او تجاهلا لبعض القوانين. والهدية تحفز الموظف لبذل المزيد من الجهد والعمل إثناء وبعد وقت الدوام الرسمي. فهل هناك أفضل من هذا؟
ويبقى الموظف الحكومي إنسان له احتياجاته الإنسانية والمادية. إنه كغيره يبحث عن العلاقات الإنسانية ويوسعها ويسهل أعمال المراجعين الذين يطلبون المساعدة وإنهاء معاناتهم. لهذا لا ضير من أن يتلقى هذا الموظف المتساهل هدايا بعض المراجعين لتلبية احتياجاته المادية التي تمكنه من شراء بيت أو سيارة حديثة أو أثاث فاخر أو أجهزة أو سفرة خارج البلد أو علاقات جنسية حميمة وغير ذلك مما يحتاجه الموظف الحكومي المتعاون في خدمة المراجعين الذين يقدمون الهدايا.
لكن الموظفين الكبار في هذه البلاد اكثر كرما وتساهلا من الموظفين الصغار، إذ يمنحوا المشاريع الكبيرة كهدايا إلى شركات ومستثمرين لا تاريخ لهم أو إلى أصدقاء أو من لهم علاقة بحزبهم الحاكم على أن يحصلوا على هدايا كبيرة مقابلة لتستفيد جميع الأطراف. في مثل هذه الدول، ملايين ومليارات الدولارات الأمريكية صرفت على مشاريع فاشلة تأخرت في الإنجاز ومشاريع تلكأت ثم توقفت وأخرى كانت حبر على ورق. فبمثل هؤلاء الموظفين وهؤلاء المراجعين وآلية العمل هذه تبنى البلاد لتكون دولة متقدمة وكبيرة في امكاناتها وتصبح افضل من الدول الأخرى القريبة والبعيدة.

تعليق 1
  1. الاستاذ الجامعي يقول

    احسنت التذكير واجدت الوصف دكتور ..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.