أكل ونوم وموبايل دووم

ضياء المياح

 

 

 

“الشعب العراقي كسول” طالما استفزتني هذه الجملة حين أسمعها خارج العراق من أصدقاء وزملاء من جنسيات عربية مختلفة. كانوا يعدون العراق واحد من الشعوب الكسولة العربية وغير العربية ويشبهونه بكسل شعوب دول الخليج النفطية. فهو في نظرهم بلد غير زراعي بعد ان كان زراعيا، وليس لديه صناعة تذكر، هو يتاجر استيرادا فقط وليس تصديرا عدا النفط. هذا ما معروف عنا خارج العراق. كنت أشعر بعدم قناعتهم بإجابتي حين أقول؛ بأننا ورثة الحضارات العراقية القديمة التي قدمت للإنسانية ما قدمت، وأننا مركز الخلافة العباسية يوم كانت بغداد افضل مدينة في العالم ومنارة الدنيا بأجمعها. وحتى عصرنا الحديث في القرن الماضي كان العراق فيه سباقا قبل غيره في كثير من مجالات الحياة.
قد تكون النقطة التي تثار هي حاضر العراق خلال العقود الأخيرة وليس تاريخه القديم. فما يراه المتابع من حال العراق والعراقيين يؤشر حالات من الكسل والعجز والتراخي وقضاء الوقت عبثا دون هدف ومن غير خطة ليوم غد ولا نقول خطة لأشهر أو سنة أو سنوات مستقبلية. الأفراد العراقيين عموما والشباب منهم على وجه الخصوص لا هم لديهم إلا ثلاث؛ الأكل والنوم والانشغال بالموبايل دوم. وهذا الأمر يشمل الطلاب والعاملين في القطاعات كافة وغير العاملين (من العاطلين) الذين يشكلون نسبة كبيرة من السكان المآلين المقاهي أو المضيعين لأوقاتهم في البيوت.
أُتيحت لي الظروف أن أسال بعض العراقيين من أصحاب الشركات والأعمال والمحال ممن يشغلون عمالة عربية واسيوية لديهم؛ لماذا لا تُشغُلون العراقي لديكم؟ وكانت الإجابات مشتركة على وجه العوم؛ العراقي ما يقبل بأي راتب تعطيه! العراقي لا يعجبه أن يشتغل! العراقي لا يبقى في عمله أن رَضِي به! العراقي يعمل كيفما كان لينهي يومه! العراقي يغادر العمل لأسباب مرضية واجتماعية لا حصر لها! العراقي وراءه مشاكل عائلية وعشائرية! أما العمالة الأجنبية فترضى برواتبها ولا تطالبك بالمزيد وتسعى لأن تستمر أطول فترة زمنية، فتعمل أثنى عشر ساعة أو أكثر دون كلل أو ملل وتنفذ كل ما يطلب منها، والعامل الأجنبي منتج وهو يقوم بحراسة مقر العمل وتنظيفه ومدارته إذا ما خصصت له مكان سكن مناسب.
شوارع بغداد بعد منتصف الليل مليئة بالسيارات ومحلاتها مفتوحة دائما ومارتها يتوزعون على المقاهي والدكاكين ويجوبون الشوارع كأن الوقت نهارا. والحال مشابه لأزقة بغداد لا سيما الشعبية منها، إذ إن معظم العوائل صاحية حتى الفجر وأفرادها يأكلون ويشربون ومنشغلون بموبايلاتهم وتلفزيوناتهم وينامون الفجر! فمتى يصحون؟ ومتى يذهبون إلى أعمالهم ومشاغلهم وجامعاتهم ومدارسهم؟ وإن ذهبوا لها متأخرين، ماذا يفعلون فيها؟ ينشغلون مجددا بموبايلاتهم التي لا تفارقهم واحاديثهم الجانبية التي لا تنتهي.
هل نحن حقا شعبا كسول؟! وأي مستوى من الكسل والعجز والتراخي وصلنا! كيف سيكون مستقبل هذا الجيل والأجيال القادمة إذا ما أستمر هذا الوضع وتفاقم؟ من سيمسك مؤسساتنا ومن سيدير أعمالنا؟ وهل سيبقى نفطنا هو مصدر إعالتنا وسبب نومنا وكسلنا؟ وهل سنستمر بالاعتماد على العمالة غير العراقية لتشغيل أعمالنا؟! بعض النقاط المطروحة في هذا المقال تقع على مسؤولية الحكومة، وكثير منها تقع على مسؤولية العائلة العراقية. لقد أصبح هذا الحال أمرا معتادا وبدأت تتشكل هذه الثقافة التي ستتثبت في المستقبل القريب.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.