شجاعة العراقيين خارج بيوتهم

ضياء المياح

 

 

شجاعة العراقيين معروفة على مدى تاريخه الطويل وبنائه لحضارات أنارت ظلام البشرية. وفي وقتنا الحالي ظهر نوع اخر من الشجاعة التي يمارسها كثير من العراقيين خارج بيوتهم وفي الشوارع. هي شجاعة قد لا تجدها لدى شعب اخر. صور التعبير عن شجاعة العراقي كثيرة لا يتسع هذا المقال لعرضها كلها. فالعراقي الشجاع يستطيع أن يغلق الشارع أمام بيته بالرمل والحصى والطابوق والأنقاض دون أن يهتم لجيرانه أو لمن أُغلق الشارع أمام مسيرهم وسياراتهم. أو يقطع الشارع بسيارته أمام بيته أو في وسط شارع عام لدقائق عديدة حتى وإن كان تصرفه يخالف الذوق العام والقانون. وشجاعة العراقي تبدو في عدم اهتمامه لجيرانه حينما يهدم بناء أو يبنيه، فينالهم من الأنقاض والأتربة ما ينالهم.
أي مواطن عراقي اليوم يستطيع أن يهدم بناء اشتراه ولو كان عدة أمتار معدودة ويقيم عليه بيتا بخريطة البناء التي تعجبه. ويستطيع هذا المواطن الشجاع أن يسحب تيارا كهربائيا من أقرب عمود كهرباء قريب من بيته ويمد لبيته أنبوب ماء من الأنابيب العامة القريبة منه ويشق مجرى للمياه الثقيلة ويصلها بشبكة المجاري العامة. كل هذا يتم بدون اي موافقات أصولية من الجهات الرسمية ذات العلاقة. أنها تعبير عن شجاعة العراقيين.
العراقي الشجاع يعطي لنفسه الحق في أن يستغل الرصيف الموازي لبيته ومحله ومطعمه كيفما شاء ويحجز جزء من الشارع بجانب الرصيف الموازي لمكان عمله بأية حجارة أو عبوة ماء بلاستيكية أو أسلاك شائكة أو قطع حديدية. إن شجاعة بعض العراقيين فاقت كل الحدود، فالواحد منهم يستطيع أن يتخذ من أرصفة الشوارع في المناطق قرب الدوائر الحكومية والجامعات والأسواق الكبيرة مواقفا للسيارات يجبي من اصحاب السيارات أجرة عالية عن وقوفها في هذه الشوارع العامة بدون إجازة الجهة الرسمية المختصة ولا قيمة لاعتراض احد ما على ذلك.
والعراقي اليوم يعبر عن شجاعته عندما يقود سيارته بعدم التزامه بإشارات المرور، فيقود سيارته بالسرعة التي تعجبه، ويوقفها في اي مكان ولو كان وسط الشارع دون أن يبالي بالسيارات من خلفه، ويخرجها من موقفها ويدخلها وسط الشارع دون أن يلتفت إلى السيارات القادمة. هو يلف سيارته أو يستدير بها دون إشارة ولا يعترف بإشارات السيارات الأخرى. وفي نفس الوقت، فالعراقي الشجاع لا يعطي مجالا لغيره من السيارات أو يأخذ مجالا لسيارته من الغير دون حق.
أما إذا كان العراقي الشجاع راجلا، فهو لا يبالي بالسيارات المسرعة في الشارع حينما يعبره وتجده ينزل إلى عرض الشارع غير ملتفتا إلى السيارات القادمة نحوه. وما يؤكد شجاعته، أنه يعبر بخطوات متباطئة وباتجاه مائل مما يستغرق وقتا أطول من المعتاد. والعراقي الشجاع يعبر من أي مكان يشاء بالطريقة التي تعجبه وفي اي شارع كان سواء كان مزدحما بالسيارات أم خاليا منها.
وقد تكون شجاعة العراقيين أكثر بروزا لدى سائقي سيارات الأجرة وسيارات النقل الجماعي الخاصة، فهؤلاء لهم قوانينهم الخاصة التي تُسخر من أجل الحصول على راكب جديد أو إنزال راكب موجود، وما في الشارع من سيارات وأشخاص لا يهمهم البتة. فهم يتنقلون بين يمين الشارع وشماله مع احتمالية كبيرة لوقوفهم السريع والمفاجئ أو حركتهم بأية لحظة غير متوقعة. والأكثر شجاعة من هؤلاء، هم سائقي الدراجات النارية والتكاتك والستوتات، فهؤلاء يحملون أرواحهم بأيديهم ويرمونها على الآخرين. فأي تماس مع واحد من هؤلاء وان كانت سيارتك واقفة ستكون أنت المقصر لتتحمل مسؤولية الحادث.
هذا غيض من فيض والصور كثيرة ومتعددة لا يكفيها مقال ولا تغطيها عبارات. ولكن واحدة من الأمور المرتبطة بشجاعة العراقيين التي وصفناها إن كانت هي شجاعة وليس تخلفا أو استهتارا، هو وجود بعض الأحزاب السياسية والعشائر العراقية التي تدعم هذا التوجه عند كثير من العراقيين. وهذه ايضا شجاعة غير موجودة في جميع دول العالم. فبعض الأحزاب والعشائر ترفع شعارا علمته لمن ينتمي لها؛ أذهب أينما تذهب وأفعل ما يحلو لك، فنحن وراءك نرجع لك حقٍ وإن لم يكن لك. ويبقى الأمر معلقا بظروفنا التي نعيشها والتطبيقات الصحيحة للقانون الصحيح لدولة تحترم قوانينها وتسعى لتطبيقها بشكل يخدم الجميع.

تعليق 1
  1. الاستاذ الجامعي يقول

    وصف دقيق ورائع .. احسنت دكتور ..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.