ساعة مارادونا في يد مادورو

هادي جلو مرعي

 

 

 

 

ماذا يعني أن يوشم ذراع دييغو أرماندو مارادونا الأرجنتيني ولاعب أرجنتينيوس، ومن ثم برشلونة في تجربة فاشلة، ومن ثم نابولي الإيطالي في تجربة غيرت مجرى تاريخ كرة القدم حين قاد هذا النادي الفقير في الجنوب المهمل الى المجد منذ منتصف الثمانينيات بعد أن فاز ولأول مرة كلاعب شاب بكأس العالم للشبان في اليابان سنة 1979 ومن ثم سار على قدميه في رحلة مليئة بالمعاناة والتحدي من مشارف بوينس آيرس الى مختلف عواصم الدنيا، ماذا يعني أن يوشم ذلك الذراع بصورة تشي جيفارا الطبيب الثائر القادم من بوينس آيرس، والمكافح حتى النصر والصداقة مع كوبا المتحدية قبل أن يقتل غدرا في أحراش مرتفعات بوليفيا التي ينقصها الأوكسجين، ويخشاها الجميع خاصة الذين يأتون مع فرقهم الى الملعب الرئيس في مدينة لاباز العاصمة؟ وماذا يعني أن يجلس جوار فيدل كاسترو زعيم كوبا ليريه صورته على إحدى ساقيه معبرا عن الحب والإنتماء لليسار.. فقصة مارادونا يمكن أن تكون رواية عن اليسار العالمي، ويمكن أن تكون كتابا يستقل كل فصل فيه عن بطل من أبطال أمريكا اللاتينية فواحد منها لتشي جيفارا، وآخر لفيدل كاسترو، وثالث لهوغو تشافيز، ورابع لنيكولاس مادورو الذي مايزال صامدا في مواجهة فاشية الغرب المتوحش والمتحفز لنهب ثروات الشعوب، وتدمير البلدان المناوئة والتي ماتزال ترفض الهزيمة في قارة تغلغل فيها اللوبي الصهيوني مستغلا الفقر والعوز والديون في بعض بلدانها كالأرجنتين التي ملت حكم الدكتاتوريات، ولكنها تحولت الى معقل للصهيونية العالمية متناسية أثر مارادونا، وراكعة عند أقدام أصحاب الأموال اليهود المتحكمين بكل شيء في هذا العالم المهزوم الذي تترسخ فيها ثقافة الإنكسار والتسليم للإمبريالية الكونية التي تسيطر رويدا بالنار والحديد والدولار؟
يرفع الرئيس نيكولاس مادورو يده، ويتحدث عن الساعة التي تطوق معصمه بوصفها من أهم الهدايا التي تلقاها من اللاعب الأرجنتيني، بينما تظهر لقطات فديو فرحة اللاعب الشهير وهو يحمل كأس العالم في ملعب أزتيك الشهير حين كان هناك لاعبون عالميون لامثيل لهم كالبرازيليين الطبيب سقراط والهداف زيكو، والفرنسي ميشيل بلاتيني والحارس جويل باتس، ومن المكسيك البلد المنظم هوغو سانشيز ومن إنكلترا الحارس بيتر شلتون واللاعبون برايان روبنسون ومارك هاتلي وكلين هودل والهداف غاري لينكر الذي تشارك جائزة هداف البطولة مع مارادونا ولكن لايمكن نسيان ذلك الفوز العظيم الذي أبقانا حتى الفجر منتظرين نهاية المباراة التي قصمت ظهر الإنجليز بهدف إحتيالي باليد وضعه مارادونا في مرمى شلتون دون أن يراه الحكم التونسي الذي تحول الى عدو في شوارع لندن بينما كانت شوارع بوينس آيرس تضج بالفرح وكأنها تثأر من بريطانيا العظمى التي إحتلت جزر فوكلاند عام 1982وحينها إرتقت الأرجنتين الى النهائي ولتفوز على ألمانيا المدججة باللاعب كارل هانيز رومينيغه والحارس شوماخر واللاعب الملتحي برايتنر ورودي فوللر وغيرهم، وبالطبع كانت هذه هي النسخة اليتيمة للعراق الذي كان الفريق الوحيد في تاريخ كرة القدم الذي خاض جميع مراحل التصفيات خارج أرضه بسبب الحرب..تلك المباراة إنتهت بفوز رفاق مارادونا بثلاثية وماتزال تلك المباراة عالقة في ذاكرتي حين تألق مارادونا وفالدانو وباتيستا والحارس بومبيدو وبورتشاكا قبل أن تثأر ألمانيا بهدف أندرياس بريمه في مونديال إيطاليا عام 1990 وهي البطولة التي شهدت نهاية مأساوية للحلم الأرجنتيني الذي دمر بالكامل في مونديال 1994 وكان نهاية لأسطورة إسمها مارادونا الذي ظل رمزا لليسار حين أذل الإنكليز المحتلين لجزر بلاده ولقن الأندية الإيطالية الغنية دروسا لايمكن أن تنسى حين قاد نابولي للظفر بكأس الدوري ودوري الأبطال ولم يعبأ بتسميات شهيرة كاليوفي وقطبي ميلانو الأنتر وأي سي ميلان.
كانت القاعة الكبيرة التي إحتشد فيها الآلاف في القاعدة الجوية في العاصمة الفنزويلية كاراكاس تهتز على وقع كلمات الرئيس نيكولا مادورو وهو يتحدث عن الأساليب الشريرة التي تتبعها واشنطن في محاصرة الدول التي ترفض مبدأ الهيمنة ونهب الثروات وسيطرة الشركات العابرة على المال والإقتصاد في العالم، والتحديات التي تعيشها الشعوب المحاصرة في ظل سياسة تقليدية عانت منها كوبا لعشرات السنين وإيران وروسيا والصين والعراق وسوريا وغيرها من بلدان كانت تنهج طريقا مختلفا لايلتقي والإمبريالية السيئة التي يتبعها الغرب في العالم، ومن الطبيعي أن يتغنى مادورو بمارادونا الذي أهداه تلك الساعة، فالفتى الأرجنتيني ولد لأسرة عمالية مكافحة، وحين إنتقل الى وسط العاصمة تنفس الصعداء، ولكنه إنتصر لأفقر الأندية نابولي التي جمعت المال عبر التبرعات، ولم تضع تلك الأموال هباءا حيث حقق ذلك اللاعب المكافح الفوز في الدوري العام، وإنتصر بعد ذلك لكوبا وفنزويلا وبلدان عدة في القارة الأمريكية الجنوبية، وليثبت إن تلك القارة ليست حديقة خلفية لأمريكا، بل هي ثورة تخمد، وسرعان ماتثور مجددا لتناغم أحاسيس اليساريين والتحرريين والمخلصين لبلدانهم الذين لايفكرون كثيرا في جني الأموال، بل هم أكثر قربا لفكرة الثورة ضد الظلم والجبروت والعنجهية التي تمثلها واشنطن وتصر عليها..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.