مَشّي .. ومَشّيها

ضياء المياح

 

 

 

يستخدم العراقيون كلمة “مَشّي” للتعبير عن عدم الاهتمام واللامبالاة والاستعجال في تمشية أمور غير مهمة من وجهة نظر المُتحدث / الشخص القائم بالعمل أو الحركة أو القول أو من وجهة نظر المستمع / الشخص المطلوب رأيه أو نصيحته أو أمره. ولقد كَثُر استخدامها في السنوات الأخيرة حتى شاعت بين مختلف الأعمار والأجناس والمراحل والمواقع. واستُخدمت بصيغ مختلفة؛ مَشّي حياتك، مَشّي يومك، مَشّي عملك، مَشّي دراستك، ومَشّي كل شيء، وستحصل على أي شيء، لأنه لا أحد يهتم لأي شيء ولا قيمة لأي شيء لدينا.
ليس مهما أن تكون حياتك ذا قيمة، لأن من تتعامل معهم لا يعرفون قيمة الحياة ولا يعترفون بقِيمها، ومن يمتلك هذا القيم هو شخص غير واقعي. ليس مهما أن يكون العمل دقيقا، فمن يدقق فيه سواء كان الرئيس أو المرؤوس أو المراجع أو المستفيد هو معقد. ليس مهما أن تكون الدراسة جدية، أو الشهادة العلمية رصينة، فمن يحرص فيها سواء كان مدرسا أو طالبا، هو مكروه. مَشّي ومَشّيها ولا تُوقف أي شيء ولا تتوقف عند أي شيء، مَشّي ومَشّيها ولا تُوقف أي عمل ولا تتوقف عند أي عمل. مَشّي ومَشّيها، فأنت لم ولن تخسر شيء.
ليس مهما أن يكون عملنا صحيحا ودقيقا ومنتجا ونافعا. ليس المهم كيف ستكون النتيجة، بل المهم إن العمل سينتهي وسيمشي. ليس المهم نوعية ما نعمل، بل المهم عدد ما نعمل. قياس العمل يعتمد الساعات والأيام والأشهر والسنوات ليس أكثر، ولا يهتم بنوعية العمل وكفاءة العاملين. ليس المهم في عملنا أن نُرضي الله ونُرضي ضمائرنا، بل المهم أن نُرضي رؤساء العمل وأولياء النعمة والأخرين.
ليس مهما أن تكون الدراسة في مدارسنا وجامعاتنا صحيحة ورصينة ومنتجة لكفاءات مفيدة للمجتمع. ليس المهم أن نُخَرج بناة لمستقبل بلدنا، بل المهم أن ننهي الفصول الدراسية والسنوات الدراسية والامتحانات ونسب النجاح العالية. قياس مخرجات التعليم يعتمد على مرور الوقت، ولا يهتم بنوعية المُدرسِين ولا صحة المناهج الدراسية ولا كفاءة المتخرجين. ليس المهم في عملنا أن نُرضي الله ونُرضي ضمائرنا، بل المهم أن نُرضي عمداء كلياتنا ورؤساء جامعاتنا ومسؤوليها ومستثمريها وأولياء أمور الطلبة.
هل هذا حالنا فقط نحن شعب العراق، ام هو حال الأخرين عربا ومسلمين وحال شعوب العالم كلها؟ الجواب بسيط على هذا السؤال الطويل. من كان حالهم كحالنا فهم مثلنا يُمشّون الأمور ويُمشّونها كيفما شاء، وإن كان حالهم أحسن من حالنا، فهم غيرنا في هذا وفي غيره. أعتقد جازما، إن هناك شعوبا أخرى مثلنا تُمشّي ما نُمشّيه. وهناك شعوبا أسوأ منا تُمشّي أكثر ما نُمشّيه. فأما من هو أسوأ منا، فهي شعوب كانت متخلفة ولا زالت، أو هي أصبحت مثلنا متخلفة. وفي كلا الحالتين، فمستقبل هذه الشعوب المتخلفة مجهول ولا قيمة لها إن أستمرت على هذا المنوال.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.