من يبيع أخلاقه الحميدة؟! من يشتري أخلاقا حميدة؟!

ضياء المياح

 

 

أخلاق الإنسان لا تُباع إن كانت حميدة، ولكن يمكن لمن لا يملكها أن يُشتري منها أو يستبدل السيئ بما حُسن منها. هل يمكن لإنسان ما أن يبيع شرفه وصدقه وستره وعفته وعدالته وحيائه ورحمته وكرمه وجهده وشجاعته ووطنيته وإنسانيته وشهادته؟ هل نحن نعيش في زمن تُباع فيها الأخلاق وتُشترى لغايات المشترين والبائعين؟ فإن بِيعت، فكيف يمكن لفاقدها أن يعيش مع الأخرين؟ وكيف يمكن لمن أشتراها أن يدعي تملك ما لا يملك.
كان في المدينة الكبيرة بمساحتها وسكانها، محل واحد يشتري من الناس ما يودون بيعه من أخلاقهم، ويبيع لغيرهم ما أشتراه من أخلاق البائعين. في هذا المحل يدخل ويخرج الافراد من جميع فئات المجتمع ليعقدوا صفقاتهم بحسب حاجة المشتري وطلب البائع. يخرج الجميع راضين بغض النظر عما اذا كانت صفقاتهم خاسرة او رابحة.
نعم تغير الزمان ولم تعد الأخلاق الحميدة مطلوبة. عند البعض لم تعد قليل من الأخلاق الحميدة مطلوبة. الفقراء والبسطاء واصحاب المبادئ والشهادات ضاقوا ذرعا بأخلاقهم التي جلبت لهم  فقرا أكبر وصعوبات ومعوقات لا حصر لها في حياتهم وأعمالهم. لهذا قرروا أن يتخلصوا منها. كان ذلك المحل فرصتهم الذهبية، لهذا تقاطروا على المحل وباعوا كل ما لديهم.  
لتقليل الأضرار والحاجة إلى المال لتغطية متطلبات المعيشة، تقاطر الفقراء والبسطاء واصحاب المبادئ والشهادات وكل من لديه أخلاق حميدة في المدينة على المحل وباعوا كل ما لديهم. باع الشرفاء شرفهم والمستورون سترهم والصادقون صدقهم والعفيفون عفتهم والنزيهون نزاهتهم والعادلون عدلهم والراحمون رحمتهم والمجتهدون حماسهم والشجعان شجاعتهم وحملة الشهادات الحقيقية شهاداتهم. دخلوا هذا المحل وباعوا ما يملكون، وخرجوا بدونها ومعهم ما يعوضها مالا.
في نفس المدينة وخارجها، هناك أفراد لا يملكون من الأخلاق إلا أدناها ومن التاريخ إلا عدمه، يتحينون الفرص لتغيير صفاتهم والدخول إلى المدينة بوجوه جديدة غير ما يعرفها الناس عنهم ولو لسنوات قليلة قادمة. هم لم يكتفوا بما لديهم من مال وما تحقق لهم من مكاسب على حساب البسطاء والفقراء. كان عديمو الأخلاق هؤلاء مجموعات من اللصوص والحرامية والغادرين وقطاع الطرق والغشاشين والماكرين والكاذبين والخائنين والعاهرين والعملاء والجهلة.
دخل عديمو الأخلاق هذا المحل ليشتروا ما يفتقدونه. وبين ليلة وضحاها أصبحوا كلهم شرفاء بعد فسادهم وصادقون بعد كذبهم وشجعان بعد جُبنهم ومناضلون بعد مساندة الدول لهم واصحاب شهادات عليا بعد جهلهم، وحصلوا على مال أكثر وبنوا أملاكهم وغصبوا حقوق العباد وخربوا البلاد وتبوؤا أعلى المناصب وصاروا وجه المجتمع وواجهته يُشار إليهم بالبنان ويُقتدى بهم ويٌتملق إليهم ويٌطلب رضاهم.
بعد سنوات قليلة، أصبح المالكون الجدد للأخلاق الحميدة يتعالون على الناس بما عندهم ويتفاخر أولادهم بما لدى أباءهم ويطالبون الأخرين بالاقتداء بهم. صارت الأخلاق الحميدة نادرة الوجود عند الفقراء والبسطاء وأبنائهم وبارت هذه السلعة. و لهذا قرر صاحب محل بيع وشراء الأخلاق إغلاق محله لتوقف تجارته بعد أن باع كل صاحب أخلاق حميدة أخلاقه وأشترى كل عديم أخلاق حاجته من الأخلاق وقرر الانتقال إلى مدينة جديدة ليبدا مشروعه فيها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.